هجوم قسد شرق حلب التوقيت والأهداف
المجريات
شنّت قوات سوريا الديمقراطية التابعة للإدارة الذاتية لشمال سوريا وشرقها يوم 2 آب/ أغسطس 2025 هجوماً بضربات صاروخية ضدّ القوات الحكومية في محيط مدينة منبج بريف حلب الشرقي، وأوقعت عدداً من الإصابات في صفوف الجيش، وعدداً من المدنيين، في خُطوة تتناقض مع مسار التفاهمات الجارية بين الحكومة السورية وقسد لتنفيذ اتفاق آذار/ مارس 2025 المبرم بين الرئيس السوري "أحمد الشرع" وقائد قسد "مظلوم عبدي"، والأجواء الإيجابية بين الطرفين.
توقيت الهجوم يأتي أيضاً في ظلّ حالة الهدوء التي تمرّ بها البلاد بعد أحداث السويداء، وفي ظلّ تحقيق الحكومة مزيداً من التقدم في الملفات السياسية والاقتصادية، فالهجوم أتى فور عودة وزير الخارجية السوري "أسعد الشيباني" والوفد المرافق له والمكوَّن من وزير الدفاع، ورئيس الاستخبارات من زيارة إلى موسكو التقى فيها وزير الخارجية، ثم الرئيس الروسي، وتخشى قسد أن تكون خسرت فيه الدعم الذي كانت تعوّل عليه من روسيا، بديلاً عن الدعم الذي بدأت تفقده من الولايات المتحدة التي تطلب من قسد بشكل رسمي تنفيذ الاتفاق مع الحكومة السورية، كما أتى الهجوم في اليوم نفسه الذي بدأ فيه وصول الغاز الأذربيجاني إلى سوريا عَبْر تركيا، وإضافة إلى انزعاج قسد من آثاره الاقتصادية المتوقعة على المناطق التي تديرها الحكومة، مقارنة بتوقع استمرار الأوضاع الاقتصادية السيئة في المناطق التي تسيطر عليها قسد، فإن قسد تبدو منزعجة أيضاً من دور تركيا في توقيع اتفاق الغاز، وخشيتها من تزايُد النفوذ التركي في سوريا.
تبدو أهداف هذا الهجوم عديدة، وتشمل عرقلة هذا التقدم الأمني، والسياسي، والاقتصادي في البلاد، وهو بقدر ما يمكن أن يكون نتيجة خلافات داخلية في قسد، ورفض الأجنحة المتشددة فيها تنفيذ اتفاق 10 آذار/ مارس، وقرارها بمتابعة "الكفاح المسلح" ضد الدولة السورية، وضد الدولة التركية بعد اتفاقها مع حزب العمال الكردستاني، فإن التحريض الخارجي على هذا الهجوم، وفي هذا التوقيت يبدو راجحاً أكثر من كونه خلافاً داخلياً، والتحريض المحتمل الأكبر يبدو قادماً من إسرائيل، ومحاولة اللعب بورقة الأقلية الكردية بعد فشلها في اللعب بالورقة الدرزية، واتجاه الأوضاع في السويداء نحو التهدئة، ووجود رضا دولي عن خُطوات الحكومة السورية في إدخال المساعدات الإنسانية، وإجلاء العائلات المحاصَرة، واستمرار تقديم الخدمات العامة، وإرسال رواتب الموظفين الحكوميين، وتشكيل لجنة تحقيق في الأحداث، وهو نجاح يتبع نجاحين سابقين في تفادي الاستثمار في ورقة أقليات أخرى مثل العلويين في أحداث الساحل، والمسيحيين في تفجير كنيسة "مار إلياس" في دمشق، ومما يقوّي هذا الاحتمال أيضاً معاودة محاولة تفجير الأوضاع في السويداء من جديد والمترافق مع هجوم قسد.
قسد تريد جرّ الجيش والأمن العامّ السوري إلى توغُّل بري في مناطق شمال شرق الفرات، ووصولها إلى مدن وقرى ذات أغلبية كردية مثل عين العرب لاتهامها بانتهاكات ضدّ الطائفة الكردية، كما تريد حدوث فلتان يشبه فلتان أحداث الساحل ودخول عناصر مسلحة غير منضبطة، أو مقاتلين أجانب في المعركة، أو بحصول فزعة عشائر عربية، مما يجعل الوضع يخرج عن سيطرة الجيش والأمن العامّ، وأخيراً فإنها تأمل أيضاً أن تدخل القوات التركية بشكل مباشر في هذه المعركة، للسير نحو طلب الحماية الدولية كما جرى في السويداء، لذا يتعين على الحكومة السورية أن تفوّت على قسد هذه الفرصة التي تعتبر الأخيرة في ورقة الأقليات، وأن تمتنع عن القيام بأي هجوم بري، وأن تكتفي بقصف مصادر الضربات الصاروخية، وبذل الجهود السياسية وخصوصاً مع المبعوث الأمريكي الخاص لسوريا "توم برّاك" لوقف خروقات قسد، والعودة إلى مسار المفاوضات حول تنفيذ اتفاق 10 آذار/ مارس، وعدم السماح لقسد بتغيير مسار المفاوضات حول الاتفاق إلى مسار مفاوضات حول خروقات أمنية، أو أيّ مشاكل أو ترتيبات إدارية تُغرق المفاوضات بتفاصيل هي أصلاً من مهامّ الترتيبات اللاحقة للاتفاق.