مصير قسد بعد خفض تمويلها من الولايات المتحدة
مقدمة
نشر مكتب وزير الدفاع في الولايات المتحدة الأمريكية الميزانية المقترَحة للوزارة لعام 2026 والتي تضمّنت وجود 130 مليون دولار تمويلاً غيرَ سريٍّ مخصصاً لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) والجماعات التابعة لها شمال شرق سوريا، ومخصص لجيش سوريا الحرة جنوب شرق سوريا المتمركز قرب قاعدة التنف، وهو أول مخصَّص لهذه القوات بعد سقوط النظام السوري السابق في 8 كانون الأول/ ديسمبر 2024، ومن جانب آخر يُعَدّ أقل ميزانية يتم تخصيصها لقسد عَبْر "صندوق تدريب وتجهيز مكافحة داعش" منذ بدأت تحالفها مع وزارة الدفاع الأمريكية لمكافحة الإرهاب في سوريا.
حول أهمية تمرير هذه الميزانية في مجلسَي النواب والكونجرس، تطرق المقترح إلى التأثير في حال عدم التمويل، وأكد أن الصندوق يُعَدّ المصدر الرئيسي لتمويل القوات السورية المحلية التي تواصل قتال داعش، وأن نقص مخصصات الصندوق سيؤدي إلى تدهور كبير في جهود القوات الشريكة نحو هزيمة داعش نهائياً، وسيُعيق بشدة قدرة وزارة الدفاع على العمل في سوريا، مما يزيد من احتمالية عودة داعش، ويهدد الأمن الإقليمي والمصالح الأمنية الأمريكية، وأن عدم تمويل متطلبات الاحتجاز الآمن والإنساني لمقاتلي داعش الأسرى في شمال شرق سوريا سيؤدي إلى زيادة خطر هروبهم وإعادة تشكيل داعش، وأن نقص التمويل المستدام للأسلحة والبِنْية التحتية الحيوية سيؤدي إلى تقليل قدرة القوات الشريكة على تنفيذ عمليات هزيمة داعش، وأن طلب ميزانية صندوق تمويل مكافحة الإرهاب للسنة المالية 2026 يمثّل جزءاً لا يتجزأ من جهد حكومي شامل لتمكين هزيمة داعش نهائياً، ومنع صراع إقليمي أوسع نطاقاً في ظلّ تغيُّرات متسارعة داخل سوريا وفي الدول المجاورة.
أولاً: التغيرات العامة التي طرأت على ميزانية الصندوق
إلى جانب التخفيض الذي طال الميزانيةَ المخصصةَ لمكافحة الإرهاب في سوريا، فقد طال التخفيض أيضاً الميزانيةَ المخصصةَ للحكومة العراقية؛ حيث انخفضت من 380 مليون دولار عام 2025 إلى 212 مليون دولار عام 2026 مخصصة لوزارة الدفاع، وقوات الأمن الداخلي، وجهاز مكافحة الإرهاب، وسيتم إنهاء برنامج رواتب البيشمركة وَفْق مذكرة التفاهم بين حكومة الولايات المتحدة وحكومة إقليم كردستان العراق.
شهدت ميزانية 2026 ولأول مرة تخصيص ميزانية للحكومة اللبنانية بمبلغ 15 مليون دولار، حيث ذكر المقترَح أنها ستكون مخصصة لتعزيز قدرة الجيش اللبناني على مكافحة داعش، خاصة أن موارد الجيش اللبناني تركز على فرض وقف إطلاق النار في منطقة جنوب الليطاني، وأن التمويل المخصص لقوات مكافحة الإرهاب التابعة لوزارة الدفاع، وللمخابرات العسكرية يهدف إلى منع عودة ظهور داعش بالتصدي لعمليات إعادة الإمداد بنقل الأفراد والمواد المهربة والمواد التجارية غير المشروعة عبر المنطقة الحدودية السورية اللبنانية التي يسهل اختراقها، حيث يمكن أن يكون هناك أكثر من 12 معبراً غير قانوني لكل معبر حدودي رسمي، كما يهدف أيضاً إلى مواجهة عمليات التجنيد التي تعمل عليها داعش في المجتمعات الفقيرة في جميع أنحاء البلاد، خاصة في منطقتَيْ شمال وسهل البقاع، وبذلك سيكون دعم لبنان بمثابة دعم لعمليات مكافحة داعش في الجزء الغربي من سوريا حيث لا يملك التحالف الدولي والقوات الشريكة له مواقع، أو إمكانية الوصول لتسهيل العمليات.
ثانياً: التغيُّرات المتعلقة بقسد
شهد برنامج التمويل غير السري لقسد منذ أن بدأ في الظهور ضمن الميزانيات السنوية لوزارة الدفاع الأمريكية عام 2017 تغيُّرات كثيرة أهمها:
1. حجم التمويل: بينما بدأ التمويل بشكل مشترك مع العراق عام 2017، فإن ميزانية عام 2018 خصصت 500 مليون دولار لقسد، ثم تناقصت الميزانية سنوياً تباعاً لتصل إلى 130 مليون دولار مقترَحة في ميزانية عام 2026.
2. عدد القوات: بينما بدأ العدد بـ 65 ألف عنصر موزعين بين 30 ألف مقاتل ينتمون إلى قسد، و35 ألف عنصر ينتمون إلى قوى الأمن الداخلي (الأسايش) في مناطق الإدارة الذاتيةـ فقد تناقص العدد ليبلغ 18 ألف عنصر عام 2025، وليرتفع بمقدار 1000 عنصر عام 2026، غالباً سيكونون من ملاك جيش سوريا الحرة لدعم عملياته في مراقبة الحدود السورية العراقية، ومواجهة داعش في عمق البادية السورية، حيث إن سقوط النظام هيَّأ مساحة أوسع يمكن أن يصل إليها جيش سوريا الحرة، وصارت من مسؤولياته، إضافة إلى زيادة عدد حُرّاس مركز اعتقال عناصر داعش، ومخيمات عائلاتهم، تحسُّباً من محاولات داعش مهاجمتها، وإطلاق سراح المحتجَزين فيها.
3. طبيعة القوات المدعومة: أنهى البرنامج دعم جميع عناصر قُوَى الأمن الداخلي في مناطق الإدارة الذاتية منذ عام 2020 أي فَوْر سقوط آخر معقل لداعش في الباغوز عام 2019، ومقابل ذلك تم إدخال جيش سوريا الحرة في البرنامج الذي تشير بعض التقديرات إلى أن قوامه يبلغ 2500 عنصر، ومع زيادة مسؤولياته الحالية يُتوقع أن يبلغ قوامه 3 آلاف عنصر.
ثالثاً: تحليل الخطّ البياني لبرنامج تمويل قسد
إنّ تتبُّع الخط البياني لبرنامج تمويل قسد وجيش سوريا الحرة يُشير إلى عدد من النقاط، وهي:
1. يشير حجم تمويل قسد وعدد عناصرها إلى أنها فقدت أهميتها القتالية في مكافحة داعش بعد عام 2019 بعد أن تفككت بِنْية داعش التنظيمية، وتركزت أهميتها في منع داعش من إعادة تجميع صفوفها، وفي حراسة سجون عناصر داعش، ومخيمات عائلاتهم، وقد لا يتجاوز عدد العناصر المموَّلين من برنامج وزارة الدفاع الأمريكية 15 ألف عنصر عام 2026 بعدما كان 65 ألف عنصر عام 2017.
2. يشير حجم تمويل العتاد والذخيرة إلى أنه لم تَعُدْ هناك مهامّ قتالية كبيرة مناطة بقسد؛ فنصف ميزانية عام 2026 مخصصة للرواتب التي تبلغ وَفْق المقترَح 65 مليون دولار، فيما سيخصص النصف الثاني لما قال عنه المقترح إنه يعكس بيئة تشغيلية متغيرة تستلزم إعادة تنظيم طفيفة للأولويات بين الأسلحة والذخيرة الصغيرة والخفيفة الفتّاكة وغير الفتّاكة، والتي لا تزيد مجمل مخصصاتها عن 11 مليون دولار، فيما يخصص قُرابة الـ 24 مليون دولار المتبقية لمركبات النقل، ومعدات الاتصالات، والمساعدات الملاحية، والمُعَدّات الطبية، والمُعَدّات الفردية مثل الملابس وغيرها.
3. تشير طبيعة عناصر قسد المموَّلين من البرنامج إلى أن إنهاء علاقة الولايات المتحدة مع عناصر قوى الأمن الداخلي يعني عدم دعمها، ولا اعترافها بالمشروع السياسي لقسد في إنشاء الإدارة الذاتية التابعة لها في شمال وشرق سوريا، وأن مرحلة قتال داعش التي كانت تستلزم وجودهم لحفظ أمن المدنيين قد انتهت، ولم يَعُدْ هناك داعٍ لاستمرارهم، وهو ما جرى تأكيده مرات عديدة من الجانب الأمريكي أن الشراكة مع قسد تقتصر على مكافحة داعش، وأن الجانب الأمريكي يدعم وحدة سوريا وسلامة أراضيها، وحق الشعب السوري في تقرير مصيره ونظامه السياسي دون أي تدخُّل خارجي.
4. تشير زيادة الاعتماد على جيش سوريا الحرة إلى احتمال توصُّل التحالف الدولي لمكافحة داعش بقيادة الولايات المتحدة مستقبلاً إلى اتفاق مع الحكومة السورية يقضي بالإبقاء على قاعدة التنف، وتوكيل مهمة تأمين محيطها إلى جيش سوريا الحرة، الذي بات أساساً ضِمن مرتبات وزارة الدفاع السورية، لكن دون تسميته في أيّ من الفِرَق المُشَكَّلة حديثاً، وهو اتفاق يمكن أن يتم بخلاف ما لو تم طرح توكيل هذه المهمة إلى قسد الذي سترفض الحكومة السورية إبرامه.
رابعاً: مستقبل قوات سوريا الديمقراطية
إنّ مقترَح تمويل البرنامج الذي يتضمن تمويل قسد هو روتيني بالأصل، وتمريره أو عدم تمريره لا يتعلق بخلاف يمكن أن يحدث في المجلسين الأمريكيين، حيث إن المقترح مطروح من الجمهوريين، وهو بالأصل مشروع مدعوم من الديمقراطيين، بل هناك محددات أخرى في الوقت الراهن وهي:
● تنفيذ اتفاق 10 آذار/ مارس 2025 الموقَّع بين الرئيس أحمد الشرع وبين قائد قسد مظلوم عبدي، فتنفيذه يعني بسط الحكومة السورية سلطتها على منطقة شمال وشرق سوريا، وتوليها مهمة حراسة سجون عناصر داعش، ومخيمات عائلاتهم، ويعني اندماج قسد في هيكل القوات السورية، وعدم استمرارها في هيكلها الحالي، وبالتالي توقُّف تمويلها المباشر، مع إمكانية تحويل هذا التمويل إلى الحكومة السورية؛ كما هو واقع فعلاً مع الحكومتين العراقية واللبنانية.
● نجاح الوساطة الأمريكية في توقيع اتفاق أمني بين سوريا وإسرائيل، مما يعني زيادة ثقة الولايات المتحدة بالحكومة السورية، وإظهار الدعم الكامل لها في بسط سيطرتها على كامل الأراضي السورية، وهذا يشمل شمال وشرق سوريا التابع لقسد، ويشمل السويداء، والساحل السوري، لما يتطلبه الاتفاق الأمني من وجود استقرار في جميع أنحاء سوريا، وعدم حدوث نزاعات داخلية مسلحة فيها.
● إنهاء الوجود الأمريكي بشكل مستقلّ عن التحالف الدولي في سوريا، خصوصاً أنّ المتحدث باسم البنتاغون أعلن تقليص الوجود الأمريكي في سوريا إلى أقل من 1000 جندي خلال الأشهر التالية، ومع استمرار نَسَق الظروف الإيجابية الناشئة بعد سقوط نظام الأسد مع الحكومة السورية الجديدة، فقد يتخذ الرئيس الأمريكي قراراً بسحب هؤلاء الجنود، أو ضمهم بالمثل إلى قوات التحالف الدولي.
لكن، من المحتمل ألا تقبل العناصر المتشددة من المنتمين لحزب العمال الكردستاني بخيار حل قسد، أو اندماجها في هيكل الدولة السورية، وأن تماطل في ذلك أطول فترة ممكنة على أمل أن يتغير الرئيس الأمريكي الجمهوري، ويصل رئيس ديمقراطي، أو أن يتغير المزاج الأمريكي من الحكومة السورية. من المتوقع أن يختار متشددو حزب العمال الكردستاني التمرّد على الدولة السورية، خاصة فيما لو تم التوصل إلى اتفاق بين سوريا وإسرائيل، ويُتوقَّع أن تبدأ بتسريح العناصر العربية والعناصر غير الموالية لها أيديولوجياً من صفوف قسد، وأن تنحسر جغرافياً نحو المثلث السوري العراقي التركي بما يشابه وجود الحزب في جبال قنديل، وأن تطالب بالدعم الإسرائيلي لها عَبْر أربيل لمناكفة سياسات تركيا الإقليمية، مما يعني استمرار هذه المنطقة مسرحاً لعمليات عسكرية طويلة الأمد.
خُلاصة
من المرجَّح أن تنضم سوريا إلى التحالف الدولي لمكافحة داعش، وتمنحه الإذن بالإبقاء على قاعدة التنف تابعةً له، مما يجعل وجود القاعدة شرعياً، وبالتالي يجعل أي تمويل -في حال بقيت الولايات المتحدة - موجهاً إلى الحكومة السورية بشكل مباشر، وليس إلى أي مجموعة أخرى، خصوصاً قسد، وإنّ توجُّه الولايات المتحدة لإنهاء وجودها المباشر في سوريا سيدفع الحكومة السورية للمطالبة بخروج باقي القوات الأجنبية لا سيما القوات الروسية، التي ما تزال تحتفظ بوجود لها في مناطق قسد، مما يعني أنّ انسحاب القوات الروسية سيؤدي إلى إنهاء أي آمال لحزب العمال الكردستاني بإيجاد بديل عن الدعم الأمريكي لقسد.