لماذا أجّلت الحكومة السورية انتخابات مجلس الشعب في الحسكة والرقة والسويداء؟
أغسطس 27, 2025 555

لماذا أجّلت الحكومة السورية انتخابات مجلس الشعب في الحسكة والرقة والسويداء؟

حجم الخط

أعلنت اللجنة العليا لانتخابات مجلس الشعب في سوريا عن تأجيل الانتخابات في 3 محافظات هي الحسكة والرقة شمال شرق البلاد، والسويداء في الجنوب، وأشارت اللجنة في بيانها إلى أن سبب التأجيل هو الأوضاع الأمنية التي تمر بها هذه المحافظات، والبُعد الأمني الذي ينطبق على السويداء بشكل رئيسي. 

المتحدث باسم اللجنة "نوار نجمة" أشار لسبب التأجيل في أنَّ "انتخابات مجلس الشعب مسألة سيادية، ويجب أن تتم ضِمن أراضٍ تسيطر عليها الدولة، وتسيطر على دوائرها الرسمية بشكل كامل". 

ذهبت الحكومة السورية إلى قرار تأجيل الانتخابات في 3 محافظات فقط وإجرائها في باقي البلاد؛ على أنه السيناريو الأفضل من أن يُؤجَّل تشكيل مجلس الشعب، أو أن تُمثَّل الحسكة والرقة والسويداء بشكل مختلف عن طريقة تمثيل باقي المحافظات في المجلس، فالانتخابات في ظلّ سيطرة قوات سوريا الديمقراطية "قسد" على مناطق شمال شرق سوريا كانت ستحرم السكان الأصليين من العرب والتركمان على وجه الخصوص من الحصول على التمثيل العادل الذي يعكس نسبتهم الديموغرافية، وثقلهم المجتمعي التاريخي، وكانت ستدفع بانتخابات مزوّرة تنفرد قسد بالإشراف عليها، وتمنع وجود مؤسسات ودوائر الحكومة، وتمنع وجود أيّ مراقبة عليها، وتدفع بعناصر قسد، والعناصر الموالية لشغل مقاعد المجلس والعمل من داخله على محاولة تعطيل سياسات الحكومة على غرار ما تفعله بعض الكتل النيابية في لبنان وفي العراق. 

تُظهر تصريحات قادة قسد حجمَ الضرر الذي لحق بهم من هذا القرار، والفرصة الكبيرة التي ضاعت عليهم بسببه، معتبِرين "أن إقصاءهم عن العملية السياسية والاستحقاق الانتخابي يمثّل انتكاسة في مسار التفاوض وعودته إلى المربع الأول" فيما كانت قسد تعدّ العدّة وفق تصريح القيادية الكردية فوزة يوسف، كبيرة مفاوضي وفد "الإدارة الذاتية" في محادثاتها مع دمشق، لتقديم قوائم بأسماء مرشحيها لهذه الانتخابات، وللجان الفرعية والتحضيرية لها. 

تصريح "بدران جيا كرد" نائب رئاسة الإدارة للشؤون الخارجية، يتوافق مع هذا التوجه أيضاً؛ فقد وصف قرار إنجاز الانتخابات في عموم البلاد وتأجيلها في مناطق سيطرة قسد بأنها واحدة من بين "الخُطوات الأحادية الناقصة، ولا تستند إلى غطاء دستوري أو شرعية وطنية قانونية في ظلّ غياب مشاركة المكونات السورية في إنشاء المؤسسات السيادية للدولة". 

من الواضح أنَّ قرار الحكومة السورية وجَّه ضربة لمشروع قسد وفوَّت عليها فرصة كانت تبني عليها، فهو ينزع عنها الشرعية السياسية أمام السكان المحليين الذين باتوا يرون أن استمرار قسد سيحرمهم من المشاركة الحقيقية في بناء مؤسسات الدولة السورية، وهذا سيكون عاملاً مهماً في تعزيز رغبة هؤلاء السكان في إدارة الحكومة السورية للمنطقة عَبْر مؤسساتها الرسمية. 

قرار التأجيل سينعكس إيجابياً على تحريك مفاوضات اتفاق 10 آذار/ مارس 2025 بين الرئيس السوري "أحمد الشرع" وقائد قسد "مظلوم عبدي"، ويُعَدّ ورقة ضغط كبيرة من الحكومة السورية على قسد لترك المماطلة في تنفيذه، وعلى الأغلب فإن قرار التأجيل يحظى بموافقة أمريكية وغربية، وإقليمية عربية وتركية عليه، ومن المتوقع أن تواجه قسد ضغوطاً أكبر داخلية وخارجية لتدارُك أخطاء المماطلة هذه. 

الوضع في السويداء شبيه بشمال شرق سوريا فجماعة الشيخ "حكمت الهجري" كانت ستطمح باكتساب الشرعية والاعتراف بسلطتها على الأرض، لو أُجريت الانتخابات في السويداء بعيداً عن مؤسسات الدولة الرسمية، وكانت مجموعات الهجري ستعمل على تزوير الانتخابات، وتحرم مكونات السويداء من غير الدروز، ومن الدروز غير الموالين للهجري والرافضين لمشروعه من حقهم في التمثيل في مجلس الشعب، بينما التأجيل الذي ذهبت إليه الحكومة سيعزز رؤية أهل السويداء بضرورة وجود حلّ تفاوُضي قريب.