بين أحداث الساحل والسويداء تحوُّل موقف مجلس الأمن من الحكومة السورية
أغسطس 11, 2025 1361

بين أحداث الساحل والسويداء تحوُّل موقف مجلس الأمن من الحكومة السورية

حجم الخط

 

أصدر مجلس الأمن في 10 آب/ أغسطس 2025 بياناً رئاسياً، رحّب فيه ببيان الحكومة السورية الذي يُدين العنف الذي اندلع في محافظة السويداء بتاريخ 12 تموز/ يوليو الماضي، ويتخذ إجراءات للتحقيق مع المسؤولين ومحاسبتهم، وبدوره أدان المجلس بشدة أعمال العنف التي ارتُكبت ضدّ المدنيين، ودعا جميع الأطراف إلى الالتزام بترتيبات وقف إطلاق النار وضمان حماية السكان المدنيين.

أكد المجلس التزامه باحترام أحكام حقوق الإنسان، والقانون الإنساني الدولي ذي الصلة، وحثَّ جميع الأطراف على ضمان وصول المساعدات الإنسانية، ودعا الحكومة السورية لحماية جميع السوريين، كما أكد المجلس التزامه القوي بسيادة الجمهورية العربية السورية واستقلالها ووحدتها وسلامة أراضيها، ودعا جميع الدول إلى احترام هذه المبادئ، وأكد على أهمية دور الأمم المتحدة، ودور مكتب المبعوث الخاص في دعم الانتقال السياسي في سوريا، وعلى وجوب احترام الأطراف اتفاق فضّ الاشتباك لعام 1974، بما في ذلك المبادئ المتعلقة بمنطقة الفصل، فضلاً عن ولاية قوة الأمم المتحدة ودورها لمراقبة فضّ الاشتباك (UNDOF).

هذا البيان الرئاسي لمجلس الأمن والصادر بالإجماع  عن أحداث السويداء يعكس تحوُّلاً إيجابياً من المجلس تجاه الحكومة السورية مقارنة ببيانه الصادر عن أحداث الساحل في آذار/ مارس الماضي، ويبدو أن المجلس رأى من حيث المبدأ أن الأحداث اندلعت ابتداءً بين مجموعتين سكانيتين هما الدروز والبدو، وأن تدخُّل الحكومة الذي كان لفضّ النزاع، قُوبل بمواجهة عسكرية من فصائل درزية متحصنة داخل السويداء، وترافق باعتداءات عسكرية إسرائيلية على قوة فضّ النزاع مما اضطرها للانسحاب، مما أدى لحدوث فراغ أمني تسبب بسلسلة من أحداث العنف التالية التي وقعت بعد فزعة العشائر التي حدثت لنجدة البدو المحاصَرين من الفصائل المسلحة الدرزية، وهذا بخلاف أحداث الساحل التي بدأت بهجوم فلول النظام على القوات الحكومية، والذي استدعى رداً عسكرياً من قِبلها، وبسبب ضعف القوات الحكومية، وقلّة عددها في ذلك الوقت حدثت "فزعة" تشبه فزعة العشائر، وتسببت كذلك بمعظم الفوضى، والانتهاكات ضدّ المدنيين كما هو الحال في السويداء. هذا الاختلاف هو أحد أسباب التحول في مجلس الأمن، وظهر ذلك جلياً في عدة نقاط، أبرزها:

عدم طلب أيّ دولة تخصيص جلسة لأحداث السويداء كما فعلت الولايات المتحدة وروسيا في تقديم طلب مشترك لعقد جلسة طارئة لأحداث الساحل.

أن البيان الرئاسي للمجلس جاء بطلب من الدنمارك بوصفها حاملة القلم في الملف الإنساني السوري، وأرادت من البيان أن يكون خاصاً بالشأن الإنساني فقط دون التعرض للجوانب السياسية والأمنية، لكن ارتأت العديد من الدول الأعضاء إصدار بيان شامل، خصوصاً من أجل إدانة الاعتداءات الإسرائيلية، وطلب وقف التدخل الخارجي في الشؤون السورية الداخلية بما يقوّض المرحلة الانتقالية والاستقرار في سوريا.

اعتبار المجلس أحداث السويداء طارئة خارجة عن السياق الذي تنتهجه الحكومة مع جميع المكونات من حيث احترام حقوق الإنسان، وضمان الحماية للجميع دون تفريق، وضمان سيادة القانون، ولذا تم -وبطلب من الولايات- حذف الإشارة إلى القانون الدولي لحقوق الإنسان الذي يشمل حالات السلم والحرب من مسودة البيان، كما طلبت الولايات المتحدة عدم الإشارة بشكل مباشر وعامّ إلى القانون الدولي الإنساني الذي يركز على حالات النزاع المسلح، وتم -وبالتوسط من المملكة المتحدة- الاقتصار على إدراج صيغة "احترام أحكام حقوق الإنسان، والقانون الإنساني الدولي ذي الصلة"، وهي صيغة توافقية أدنى من صيغة بيان الساحل التي أشارت إلى احترام هذه الأحكام "في كافة الظروف".

الإجماع الدولي على وجوب التزام الأطراف باتفاق فضّ الاشتباك 1974، واحترام ولاية قوة الأمم المتحدة لمراقبة فضّ الاشتباك ودورها، والحفاظ على الهدوء وتخفيف التوترات، وهي وإنْ كانت صيغة بديلة لإدانة الاعتداءات الإسرائيلية صراحة؛ بسبب رفض الولايات المتحدة إدراج طلب الإدانة، إلا أنها من جانب آخر تشير إلى تحميل الجانب الإسرائيلي مسؤولية الخروقات الحاصلة، كما تشير إلى عدم اعتراف المجلس بالوقائع الجديدة التي أنشأتها القوات الإسرائيلية على الأرض في منطقة الفصل.

إنّ صيغة بيان السويداء تتشابه مع بيان الساحل في إدانة العنف بشكل عامّ ضدّ المدنيين، لكنها لا تشير إلى الطائفة الدرزية كما أشارت إلى الطائفة العلوية، وهذا يبين أن المجلس يرى أن العنف كان بين مجموعات سكانية، وليس موجَّهاً ضدّ الطائفة الدرزية بشكل خاصّ.

إن أهم أسباب التحوّل في موقف المجلس هو التحوّل الذي حدث في موقف الولايات المتحدة من الحكومة السورية بعد لقاء الرئيسين الشرع وترامب في الرياض في أيار/ مايو الماضي، فمقابل تصريحات سلبية من وزير الخارجية الأمريكية ماركو روبيو تجاه الحكومة في أحداث الساحل، فإن مبعوثها الخاص توماس برّاك والَى تصريحاته الإيجابية تجاه نهج الحكومة في التعامل مع أحداث السويداء.

يُلاحَظ عدم تدخُّل روسيا في الخلافات التي جرت في المجلس حول البيان، وهو مؤشر إيجابي على نجاح زيارة الوفد السوري برئاسة وزير الخارجية أسعد الشيباني إلى موسكو، مما يزيد من أمل عدم اعتراض روسيا على رفع التصنيف عن الرئيس أحمد الشرع ووزير الداخلية أنس خطاب، إضافة إلى أن لقاء الشيباني بالسفير الصيني في دمشق صبيحة صدور البيان يزيد أيضاً من احتمال تغيُّر الموقف الصيني في هذا الجانب.

بالمحصلة، يُعَدّ بيان مجلس الأمن بشأن أحداث السويداء في صالح الحكومة السورية؛ حيث يشير إلى عدم تبني ما كانت ترغب به بعض الأطراف الداخلية المعارِضة للحكومة في إدانتها وتحميلها مسؤولية العنف والانتهاكات التي وقعت، ومن المؤكد أن أداء الحكومة خلال المدة التي استغرقها صدور البيان أدى أيضاً إلى هذه النتيجة، ومن أهم النقاط إدانة الحكومة للعنف، والتزامها باتفاق وقف إطلاق النار، وتشكيلها لجنة تحقيق، وتعهُّدها بمحاسبة المسؤولين أياً كانت انتماءاتهم، إضافة إلى تسهيلها دخول المساعدات الإنسانية، وفتحها الممرات الإنسانية لإجلاء الراغبين بالخروج من السويداء.