دلالات حضور الرئيس الشرع اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة
من المقرر أن يُلقي الرئيس السوري أحمد الشرع في 24 أيلول/ سبتمبر 2025 كلمة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك في دورتها الثمانين، وهي أول كلمة لرئيس سوري بعد قُرابة 6 عقود، وثاني كلمة لرئيس سوري بعد كلمة الرئيس نور الدين الأتاسي عام 1967 والتي جاءت بعد هزيمة حزيران/ يونيو، حيث تعمّد نظام الأسد عدم حضور اجتماعات الجمعية العامة تحت شعار "بعثي عقائدي" عريض في أنه لن يشارك قبل حلّ الصراع العربي الإسرائيلي، واستعادة الأراضي السورية المحتلة عام 1967.
عدم حضور رؤساء سوريا شكري القوتلي وحسني الزعيم وسامي الحناوي وهاشم الأتاسي وجمال عبد الناصر وأديب الشيشكلي وفوزي سلو ومأمون الكزبري وعزت النص وناظم القدسي ولؤي الأتاسي وأمين الحافظ وأحمد الخطيب، يُعزى إلى عهد الانقلابات العسكرية الذي صبغ سوريا قبل هيمنة آل الأسد على الحكم، وانشغال الزعماء بحروبهم الداخلية مع المناوئين لهم، أو خشيتهم من وقوع انقلاب عليهم في أي سفر لهم خارج البلاد، إضافة لقصر فترة رئاسة بعضهم التي وصلت ليوم واحد فقط، وبعضهم الآخر الذي تولّى الرئاسة وأُقصي عنها دون عقد اجتماع للجمعية العامة، أو تنصيبهم من قِبل القادة الانقلابيين دون وجود صلاحيات أو شرعية دستورية لهم.
تفتح زيارة الشرع صفحة جديدة لسوريا مع المجتمع الدولي ومع الجمعية العامة للأمم المتحدة، وترسل رسائل عديدة من بينها رغبة سوريا في طيّ حقبة الحكم الديكتاتوري، والحكم العسكري، وتحوُّلها من دولة منبوذة راعية للإرهاب إلى دولة تتعهد بالمحافظة على السلم والأمن الدوليين، كما تتعهد بالقضاء على برنامج الأسلحة الكيميائية الذي أنشأه نظام الأسد، وتتعاون مع منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، وتعترف بولاية اللجنة المكلفة بالقضاء على البرنامج، إضافة إلى تعهُّدها بالقضاء على برنامج إنتاج وتهريب المخدرات وعلى رأسها الكبتاجون، وتلتزم بمكافحة الإرهاب ومنع عودة انتشاره في سوريا، وتلتزم بالقانون الدولي في قضايا حقوق الإنسان، وتعترف بولاية لجان التحقيق الدولية، وتتعاون مع المؤسسة المختصة بالمفقودين، وتسعى نحو تحقيق العدالة الانتقالية في البلاد.
تُعدّ الزيارة تطوُّراً هائلاً للدبلوماسية السورية في استعادة مكانتها الدولية عَبْر الحضور على المستوى الأول والأعلى في الدولة، وليس عَبْر وزير خارجيتها، أو بعثتها الدائمة في الأمم المتحدة، فضلاً عن كونها عاملاً مساعداً ومشجِّعاً للأمم المتحدة في رفع العقوبات الأممية عن سوريا، وعن الرئيس أحمد الشرع شخصياً.
كما أنّ الزيارة تحمل دلالة قوية ومهمة في أن الدولة خطت خُطوات الاستقرار الأولى، وهي ماضية فيها لإقامة حكم مستدام يستند إلى شرعية دستورية وانتخابية، وشامل لجميع المكونات السورية، ويعمل على تعزيز الوحدة الداخلية، ويقطع الصلة بالحكم الطائفي الذي رسَّخه نظام الأسد، ويمهد السبيل لعودة اللاجئين السوريين من دول الجوار ومن باقي دول العالم، وهي جميعها من متطلبات بيان جنيف 30 حزيران/ يونيو 2012، ومتطلبات القرار 2254 (2015)، ودلالة على التزام الدولة بالحل السياسي، وبعملية الانتقال السياسي التي وضعتها الأمم المتحدة، وعلى اطمئنان الدولة لأوضاعها الداخلية وقدرتها على معالجة الملفات الداخلية العالقة في جنوب سوريا في السويداء، وفي شمال شرق سوريا مع قوات سوريا الديمقراطية.
أخيراً، اللقاءات الثنائية التي ستجمع الرئيس الشرع مع رؤساء الدول المُشارِكة على هامش اجتماعات الجمعية العامة هي فرصة للتعرف إليه عن قرب، وكسر السردية الإسرائيلية عن مخاطر الاعتراف بالحكم الجديد في سوريا، وتضيف رصيداً جديداً من الدعم الدولي للحكومة السورية يزيد من رصيد الدعم العربي والغربي الذي حصلت عليه في الأشهر السابقة.